دراسة جدوى وتقرير هندسي
تطوير الطاقة الحرارية الأرضية في الجمهورية اليمنية
جدول المحتويات
ملخص تنفيذي
1.0 قاعدة موارد الطاقة الحرارية الأرضية والتحقق من الموقع 1.1 الإمكانات الوطنية للطاقة الحرارية الأرضية 1.2 مناطق التطوير ذات الأولوية 1.3 تقدير الطاقة الكامنة في المكمن (حساب الحرارة المخزنة)
2.0 الجدوى الفنية والهندسة لمحطة الطاقة 2.1 اختيار التكنولوجيا والتصميم المبدئي 2.2 مخطط تدفق العمليات وتصميم النظام 2.3 تحليل الأداء والإنتاج 2.4 التكامل مع الشبكة والبنية التحتية المساعدة
3.0 خطة تنفيذ المشروع 3.1 الجدول الزمني للتطوير المرحلي 3.2 برنامج الاستكشاف والحفر وتطوير حقل الآبار 3.3 بناء المحطة وتشغيلها 3.4 استراتيجية التشغيل والصيانة طويلة الأجل
4.0 الجدوى المالية والاقتصادية 4.1 تفصيل النفقات الرأسمالية (CAPEX) 4.2 توقعات النفقات التشغيلية (OPEX) 4.3 التكلفة المستوية للطاقة (LCOE) 4.4 النمذجة المالية والعوائد 4.5 تحليل الحساسية
5.0 إطار المخاطر والتخفيف منها 5.1 سجل المخاطر الشامل 5.2 تحليل المخاطر الجيوسياسية والأمنية 5.3 تخفيف مخاطر الموارد الحرارية الأرضية
6.0 الإطار الحوكمي والاجتماعي والبيئي 6.1 الهيكل التنظيمي والمؤسسي المقترح 6.2 تقييم الأثر البيئي والاجتماعي (ESIA) 6.3 إشراك أصحاب المصلحة وخطة المنافع المجتمعية
7.0 التوصيات الاستراتيجية والخاتمة 7.1 توصيات قابلة للتنفيذ 7.2 عرض الاستثمار ومسار التمويل 7.3 التقييم الختامي
ملخص تنفيذي
الفرصة: تمتلك الجمهورية اليمنية، الواقعة عند نقطة التقاء تكتونية فريدة بين البحر الأحمر وخليج عدن وصدع شرق إفريقيا، قاعدة موارد طاقة حرارية أرضية عالمية المستوى تُقدر بنحو 28.5 جيجاوات. يمثل هذا المصدر الهائل للطاقة المحلية أصلاً استراتيجياً وطنياً لديه القدرة على معالجة أزمة الطاقة المزمنة والمُنهِكة في البلاد بشكل جذري، وتقليل الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري المستورد المتقلب والمكلف، وتوفير مسار آمن ونظيف ومستدام للتعافي الاقتصادي والتنمية.
مقترح المشروع: يقدم هذا التقرير دراسة جدوى شاملة لبرنامج وطني مرحلي لتطوير الطاقة الحرارية الأرضية، يبدأ بمحطة طاقة تجريبية بقدرة 50 ميجاوات في حقل "اللسي-إسبيل" للطاقة الحرارية الأرضية في محافظة ذمار. تم تحديد أولوية هذا الموقع بناءً على أدلة جيولوجية وجيوكيميائية واسعة، بما في ذلك وجود العديد من المظاهر السطحية والدراسات التي تشير إلى وجود مكمن جوفي محدد جيداً بدرجات حرارة تبلغ حوالي 200 درجة مئوية، وهو مثالي لنشر تكنولوجيا توليد الطاقة بالبخار الومضي (flash-steam) التي أثبتت كفاءتها وموثوقيتها العالية.
النتائج الرئيسية: يؤكد التحليل الجدوى الفنية القوية والجدوى المالية المقنعة للمشروع التجريبي المقترح بقدرة 50 ميجاوات. تُقدر التكلفة المستوية للطاقة (LCOE) المتوقعة في نطاق 0.05 إلى 0.07 دولار أمريكي لكل كيلوواط/ساعة. هذه التكلفة تنافسية للغاية مقارنة بالتكلفة التاريخية لتوليد الكهرباء من الديزل في اليمن، والتي سُجلت بأكثر من 0.08 دولار أمريكي لكل كيلوواط/ساعة وتخضع لتقلبات أسعار شديدة، مما يجعل الطاقة الحرارية الأرضية خياراً اقتصادياً متفوقاً لتوفير كهرباء الحمل الأساسي.
الجدوى المالية: يُقدر إجمالي الاستثمار الرأسمالي للمحطة التجريبية بقدرة 50 ميجاوات بحوالي 196 مليون دولار أمريكي. في إطار نموذج منظم للشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، من المتوقع أن يحقق المشروع معدل عائد داخلي غير مدعوم بالقروض (Unlevered IRR) يمكن أن يتجاوز 20% لمستثمري الأسهم. يعتمد هذا العائد الجذاب على عاملين تمكينيين حاسمين: إبرام اتفاقية شراء طاقة (PPA) قابلة للتمويل المصرفي بتعرفة تعكس قيمة طاقة الحمل الأساسي الموثوقة، وتنفيذ استراتيجية مستهدفة لتخفيف المخاطر في مرحلة الحفر الاستكشافي الأولية.
تخفيف المخاطر: إن العائق الرئيسي أمام تطوير الطاقة الحرارية الأرضية على مستوى العالم، وخاصة في اليمن، هو المخاطر العالية للموارد الأولية المرتبطة بالحفر الاستكشافي، والتي يمكن أن تشكل 10-15% من إجمالي تكلفة المشروع قبل إثبات المورد بالكامل. يوضح هذا التقرير استراتيجية تخفيف واضحة ومُجرَّبة تتمحور حول الاستفادة من التمويل الميسر والمساعدة الفنية من بنوك التنمية متعددة الأطراف (MDBs) مثل البنك الدولي. من خلال اعتماد آليات راسخة مثل الخطة العالمية لتطوير الطاقة الحرارية الأرضية (GGDP)، يمكن للحكومة اليمنية تمويل مرحلة الحفر الأولية عالية المخاطر، وبالتالي تقليل مخاطر المشروع بما يكفي لجذب استثمارات القطاع الخاص لمرحلة بناء محطة الطاقة الأكبر. يمكن إدارة المخاطر الجيوسياسية والأمنية، على الرغم من أهميتها، بفعالية من خلال نهج تطوير مرحلي في مناطق آمنة، يتم تنفيذه تحت رعاية شركاء دوليين لتوفير غطاء سياسي وأمن معزز.
التوصيات الاستراتيجية: يوصى بشدة بأن تتخذ الحكومة اليمنية إجراءات فورية وحاسمة للاستفادة من هذه الفرصة الاستراتيجية. الخطوات التالية الحاسمة هي:
إنشاء وحدة وطنية لتطوير الطاقة الحرارية الأرضية ضمن وزارة الطاقة والمعادن لتكون مركزاً للخبرة ونقطة اتصال موحدة للمطورين والممولين.
تخصيص تمويل أولي وطلب دعم رسمي من بنوك التنمية متعددة الأطراف لبرنامج الحفر التأكيدي في موقع "اللسي-إسبيل".
البدء في صياغة قانون وطني للطاقة الحرارية الأرضية وإطار تنظيمي لتوفير الوضوح والأمان للمستثمرين.
بدء المفاوضات مع بنوك التنمية متعددة الأطراف لهيكلة حزمة شاملة لتخفيف المخاطر وتمويل المشروع التجريبي، وتأطيره كحجر زاوية في استراتيجية إعادة الإعمار وأمن الطاقة في اليمن بعد انتهاء النزاع.
من خلال اتباع هذا النهج المنظم والمدعوم دولياً، يمكن لليمن تحويل ثروته الهائلة من الطاقة الحرارية الأرضية من إمكانات جيولوجية إلى محرك ملموس للاستقرار الوطني والنمو الاقتصادي ومستقبل طاقة مستدام.
1.0 قاعدة موارد الطاقة الحرارية الأرضية والتحقق من الموقع
1.1 الإمكانات الوطنية للطاقة الحرارية الأرضية
تُعد الإمكانات الكبيرة للطاقة الحرارية الأرضية في اليمن نتيجة مباشرة ومثبتة علمياً لموقعها الجيوديناميكي الفريد. تقع البلاد عند نقطة التقاء ثلاثة أنظمة تكتونية نشطة رئيسية: صدع البحر الأحمر، ومركز انتشار خليج عدن، ونظام صدع شرق إفريقيا. تخلق هذه "النقطة الثلاثية" منطقة ذات قشرة أرضية رقيقة، وتدفق حراري عالٍ، وصدوع واسعة، وهي الظروف الجيولوجية المثالية لتكوين أنظمة طاقة حرارية أرضية عالية الحرارة.
قُدرت الإمكانات الوطنية للموارد بما يصل إلى 28.5 جيجاوات، وهو رقم يضع الطاقة الحرارية الأرضية ليس كبديل متخصص، بل كمورد استراتيجي على نطاق المرافق العامة قادر على تلبية جزء كبير من الطلب طويل الأجل على الكهرباء في البلاد. تؤكد الأدلة السطحية الواسعة هذه الإمكانات الجوفية. تم تحديد ورسم خرائط لأكثر من 100 ينبوع حراري، ونفثات بخارية، وأراضٍ ساخنة في جميع أنحاء البلاد، خاصة على طول هوامش الصدع الغربية والمناطق الساحلية الجنوبية. تُظهر هذه المظاهر السطحية درجات حرارة تصل إلى 96 درجة مئوية في البرك المغلية في منطقة القفر، مما يوفر دليلاً مباشراً وملموساً على وجود شذوذ حراري قوي كامن. يقدم الشكل 1.1 خريطة مُجمَّعة لإمكانات الطاقة الحرارية الأرضية في اليمن، مسلطاً الضوء على المناطق الرئيسية ذات الأهمية والتي تتوافق مع الهياكل التكتونية الرئيسية.
الشكل 1.1: خريطة إمكانات الطاقة الحرارية الأرضية في اليمن. تجمع هذه الخريطة بيانات من المسوحات الجيولوجية، وتوضح العلاقة بين السمات التكتونية الرئيسية (صدوع البحر الأحمر وخليج عدن) ومواقع الينابيع الحارة والحقول البركانية، والتي تعد مؤشرات أساسية لإمكانات الطاقة الحرارية الأرضية العالية.
1.2 مناطق التطوير ذات الأولوية
بناءً على عقود من الاستطلاع الجيولوجي والدراسات العلمية التفصيلية، تم تحديد العديد من المقاطعات ذات الإمكانات العالية للطاقة الحرارية الأرضية. ومن هذه المجموعة، برزت أولوية واضحة لاستراتيجية تطوير مرحلية.
الهدف الأساسي: اللسي-إسبيل (محافظة ذمار) يُعد حقل اللسي-إسبيل، الذي يقع على بعد حوالي 100 كم جنوب العاصمة صنعاء، المرشح الأكثر ترجيحاً بشكل قاطع لأول محطة طاقة حرارية أرضية في اليمن. قدم الاستكشاف السطحي المكثف، بما في ذلك رسم الخرائط الجيولوجية والتحليل الجيوكيميائي لينابيعه الحارة العديدة (حتى 89 درجة مئوية) والنفثات البخارية (بدرجات حرارة بخار تصل إلى 68 درجة مئوية)، أدلة قوية على وجود مورد قابل للاستغلال تجارياً. تشير دراسات قياس الحرارة الجيوكيميائية، التي تحلل التركيب الكيميائي للسوائل الحرارية للتنبؤ بالظروف تحت السطحية، باستمرار إلى وجود مكمن عميق (يقدر عمقه بـ 1.2 كم) بدرجة حرارة تقارب 200 درجة مئوية. تقع درجة الحرارة هذه ضمن النطاق الأمثل لتكنولوجيا توربينات البخار التقليدية أحادية أو ثنائية الومضة، والتي تعد أكثر أشكال توليد الطاقة الحرارية الأرضية نضجاً وموثوقية على مستوى العالم. كما أن قربه النسبي من مراكز الأحمال الرئيسية والبنية التحتية القائمة يعزز من ملاءمته كموقع للمشروع التجريبي.
الأهداف الثانوية للتوسع المستقبلي:
القفـر (محافظة إب): تُظهر هذه المنطقة أشد نشاط حراري سطحي في اليمن، حيث سُجلت برك مغلية عند درجة حرارة ~96 درجة مئوية. تُعد درجات الحرارة السطحية المرتفعة هذه مؤشراً قوياً على وجود مصدر حراري قوي جداً وربما ضحل، مما يجعل القفر هدفاً ذا أولوية عالية للاستكشاف والتطوير في مرحلة لاحقة.
بلحاف-بئر علي (محافظة حضرموت): يمثل هذا الحقل البركاني الواسع، الذي تبلغ مساحته حوالي 500 كم² على ساحل خليج عدن، نوعاً مختلفاً ولكنه واعد بنفس القدر من أنظمة الطاقة الحرارية الأرضية. يشير نشاطه البركاني البازلتي الحديث إلى وجود مصدر حراري صهاري مستمر في الأعماق. على الرغم من أنه أقل دراسة من حيث إمكانات توليد الطاقة، إلا أن هذه الأنظمة تشبه الحقول عالية الإنتاجية في مواقع مثل أيسلندا وكينيا. وهذا يجعل بلحاف-بئر علي أصلاً استراتيجياً طويل الأجل لتنويع محفظة الطاقة الحرارية الأرضية الوطنية.
مناطق واعدة أخرى: مناطق إضافية ذات مظاهر حرارية مؤكدة، مثل دمت (الضالع) ومرتفعات تعز، تؤكد بشكل أكبر على الطبيعة الواسعة لموارد الطاقة الحرارية الأرضية في اليمن وتوفر خط أنابيب عميق لفرص التطوير المستقبلية.
إن وجود نوعين متميزين على الأقل من أنواع الطاقة الحرارية الأرضية الواعدة للغاية - أنظمة الحمل الحراري التي يهيمن عليها الصدع في المرتفعات الغربية (اللسي-إسبيل) والأنظمة الساحلية المدفوعة بالصهير (بلحاف-بئر علي) - يمثل ميزة استراتيجية كبيرة. فهو يسمح بصياغة محفظة وطنية للطاقة الحرارية الأرضية يمكنها الموازنة بين التطوير قصير الأجل ومنخفض المخاطر باستخدام تقنيات ناضجة في مواقع جيدة التوصيف مع الاستكشاف طويل الأجل وعالي الإمكانات في المناطق البركانية الحدودية. هذا النهج القائم على المحفظة هو بطبيعته أكثر مرونة وجاذبية لبنوك التنمية متعددة الأطراف والمستثمرين الاستراتيجيين، لأنه ينشئ خط أنابيب تطوير مستدام بدلاً من مشروع واحد عالي المخاطر، بما يتماشى مع مبادئ التطوير المرحلي الموصى بها في أفضل الممارسات الدولية.
الجدول 1.1: ملخص البيانات الجيولوجية والجيوكيميائية لمواقع الطاقة الحرارية الأرضية ذات الأولوية
1.3 تقدير الطاقة الكامنة في المكمن (حساب الحرارة المخزنة)
للانتقال من الإمكانات النوعية إلى تقدير كمي للموارد قابل للتمويل، يتم تطبيق طريقة "الحرارة المخزنة" الحجمية. هذه ممارسة صناعية قياسية، أنشأتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS)، لتقييم السعة الطاقوية لمكمن الطاقة الحرارية الأرضية قبل الحفر الإنتاجي. تحسب الطريقة إجمالي الطاقة الحرارية المخزنة ضمن حجم محدد من الصخور والسوائل ثم تطبق عوامل الاسترداد والتحويل لتقدير إنتاج الطاقة الكهربائية المستدام.
المعادلة الأساسية لإجمالي الطاقة الحرارية المخزنة (q_{rsv}) هي : q_{rsv} = (\rho C)_{avg} \times V \times (T_{rsv} - T_{ref}) حيث:
q_{rsv} هي الطاقة الحرارية المخزنة في المكمن (جول).
(\rho C)_{avg} هي الحرارة النوعية الحجمية لمصفوفة الصخور والسوائل المشبعة (جول/م³°م).
V هو الحجم التقديري للمكمن المنتج (م³).
T_{rsv} هو متوسط درجة حرارة المكمن الأولية (°م).
T_{ref} هي درجة الحرارة المرجعية أو درجة حرارة التخلي، والتي يصبح استخراج الطاقة دونها غير اقتصادي لتكنولوجيا محطة الطاقة المختارة (°م).
ثم تُقدر الطاقة الكهربائية القابلة للاسترداد (W_e) التي يمكن توليدها على مدى عمر المحطة بـ : W_e = q_{rsv} \times R_f \times \eta_c حيث:
W_e هي إجمالي الطاقة الكهربائية القابلة للاسترداد (جول).
R_f هو عامل الاسترداد، ويمثل جزء الحرارة المخزنة الذي يمكن استخراجه عند رأس البئر. وهو معلمة حاسمة تتراوح عادة بين 5% و 25%، اعتماداً على خصائص المكمن مثل المسامية والنفاذية.
\eta_c هي كفاءة التحويل الإجمالية لمحطة الطاقة، وتحويل الطاقة الحرارية عند رأس البئر إلى طاقة كهربائية صافية تُرسل إلى الشبكة.
بتطبيق هذه المنهجية على حقل اللسي-إسبيل لتطوير مستهدف بقدرة 50 ميجاوات، نحصل على تقديرات سعة الموارد الموضحة في الجدول 1.2. تؤكد الحسابات أن كتلة مكمن بحجم معقول يمكنها دعم المحطة التجريبية المقترحة بشكل مريح لمدة حياة اقتصادية قياسية تبلغ 30 عاماً، حتى في ظل الافتراضات المتحفظة (P90). يوفر هذا التقييم الكمي الثقة اللازمة للمضي قدماً في مرحلة الحفر الاستكشافي عالية التكلفة.
الجدول 1.2: حساب الحرارة المخزنة وإمكانات الطاقة لحقل
اللسي-إسبيل (منطقة تجريبية 50 ميجاوات)
2.0 الجدوى الفنية والهندسة لمحطة الطاقة
2.1 اختيار التكنولوجيا والتصميم المبدئي
يتم تحديد اختيار تكنولوجيا توليد الطاقة المناسبة بشكل أساسي من خلال درجة حرارة وخصائص سائل مورد الطاقة الحرارية الأرضية. بالنسبة لحقل اللسي-إسبيل، مع درجة حرارة مكمن مؤكدة تبلغ حوالي 200 درجة مئوية، يُصنف المورد كنظام عالي المحتوى الحراري (إنثالبي) يهيمن عليه السائل. هذه الدرجة الحرارية أعلى بكثير من العتبة الاقتصادية لتوليد الطاقة التقليدية بالبخار، والتي تبلغ عادة حوالي 182 درجة مئوية (360 درجة فهرنهايت).
تم النظر في ثلاث تقنيات رئيسية:
محطة بخار أحادية الومضة (Single-Flash): في هذا التصميم، يتم ضخ الماء الساخن عالي الضغط من المكمن إلى فاصل عند ضغط أقل. يؤدي هذا الانخفاض في الضغط إلى غليان جزء من الماء بسرعة، أو "يومض"، ليتحول إلى بخار عالي الضغط. ثم يتم توجيه هذا البخار إلى توربين لتوليد الكهرباء. هذه التكنولوجيا قوية، ومنتشرة على نطاق واسع، وبسيطة من الناحية التشغيلية، مما يجعلها خياراً ممتازاً لمشروع هو الأول من نوعه في منطقة جديدة.
محطة بخار ثنائية الومضة (Double-Flash): هذا تحسين لتصميم الومضة الواحدة. يتم توجيه الماء الساخن المنفصل (المحلول الملحي) من فاصل المرحلة الأولى، والذي لا يزال تحت الضغط وعند درجة حرارة عالية، إلى فاصل ثانٍ ذي ضغط أقل. يسمح هذا بحدوث "ومضة" ثانية، مما ينتج بخاراً إضافياً منخفض الضغط يمكن تغذيته في المراحل اللاحقة من التوربين أو إلى توربين منفصل منخفض الضغط. على الرغم من أنها أكثر تعقيداً وكثافة في رأس المال، إلا أن محطة الومضة المزدوجة يمكن أن تزيد من إنتاج الطاقة من نفس كمية السائل الحراري الأرضي بنسبة 15-25%.
محطة الدورة الثنائية (Binary Cycle): هذه التكنولوجيا هي الأنسب للموارد ذات درجات الحرارة المنخفضة (عادة من 107 درجة مئوية إلى 182 درجة مئوية). تستخدم مبادلاً حرارياً لنقل الحرارة من السائل الحراري الأرضي إلى سائل تشغيل ثانوي (سائل عضوي ذو نقطة غليان منخفضة، مثل الأيزوبنتان). يتبخر هذا السائل الثانوي ويدير التوربين. على الرغم من كفاءتها العالية في نطاق درجات حرارتها وتوفيرها لنظام حلقة مغلقة بدون انبعاثات، إلا أنها ليست الخيار الأمثل اقتصادياً لمورد بدرجة حرارة 200 درجة مئوية، حيث يكون البخار الومضي أكثر مباشرة وفعالية من حيث التكلفة.
التوصية: بالنسبة للمشروع التجريبي بقدرة 50 ميجاوات في اللسي-إسبيل، فإن محطة طاقة بخارية أحادية الومضة هي التكنولوجيا الموصى بها. يعطي هذا الاختيار الأولوية للموثوقية والبساطة التشغيلية وتقليل مخاطر رأس المال الأولية. هذه العوامل ذات أهمية قصوى في سياق مناخ الاستثمار الصعب في اليمن والحاجة إلى بناء قدرات تشغيلية محلية. ومع ذلك، يجب أن يتضمن التصميم أحكاماً لترقية مستقبلية إلى دورة ثنائية الومضة أو دورة ثنائية سفلية، والتي يمكن تنفيذها لزيادة الإنتاج بمجرد فهم وتأكيد أداء المكمن على المدى الطويل بشكل كامل.
2.2 مخطط تدفق العمليات وتصميم النظام
يعتمد التصميم المبدئي لمحطة الومضة الواحدة بقدرة 50 ميجاوات على تصميم قياسي ومُجرَّب. يوضح الشكل 2.1 مخطط تدفق العمليات (PFD) المفصل، والذي يوضح المعدات الرئيسية ومسارات السوائل.
الشكل 2.1: مخطط تدفق العمليات لمحطة طاقة حرارية أرضية أحادية الومضة بقدرة 50 ميجاوات. يوضح المخطط مسار السائل الحراري الأرضي من آبار الإنتاج (1)، عبر الفاصل (2)، حيث يدفع البخار التوربين (5-6) ويتم إعادة حقن المحلول الملحي (3-4). يتم تبريد البخار المكثف وإعادة حقنه أيضاً.
تتضمن العملية المراحل والمعدات الرئيسية التالية:
حقل الآبار وجمع السوائل: ستقوم شبكة من آبار الإنتاج باستخراج السائل الحراري الأرضي ثنائي الطور (سائل وبخار). سيتم نقل هذا السائل عبر خطوط أنابيب معزولة إلى فاصل مركزي يقع في محطة الطاقة.
فصل البخار عن الماء: سيستخدم وعاء فاصل عالي الضغط الجاذبية والحواجز الداخلية لفصل البخار الومضي عن المحلول الملحي الساخن المتبقي. ستكون جودة البخار >99.9% جاف.
توليد الطاقة: سيتم توجيه البخار الجاف المنفصل إلى توربين بخاري مكثف أحادي الضغط متصل بمولد متزامن.
التكثيف واستخراج الغاز: سيتم تكثيف البخار العادم من التوربين في مكثف تلامس مباشر. سيتم إزالة الغازات غير القابلة للتكثيف (NCGs)، وهي في المقام الأول ثاني أكسيد الكربون وكبريتيد الهيدروجين، الموجودة بشكل طبيعي في البخار الحراري الأرضي، بواسطة نظام قاذف بخاري ثنائي المراحل أو نظام مضخة تفريغ للحفاظ على الفراغ في المكثف. سيتم تضمين نظام لخفض كبريتيد الهيدروجين (على سبيل المثال، عملية الأكسدة والاختزال السائلة) لمعالجة هذه الغازات والامتثال للمعايير البيئية.
نظام التبريد: سيتم طرد الحرارة من المكثف إلى الغلاف الجوي عبر برج تبريد رطب ذي سحب ميكانيكي.
إعادة حقن السوائل: سيتم دمج مجريي السائل - المحلول الملحي الساخن من الفاصل والمكثف المبرد من برج التبريد - وضخهما في آبار إعادة حقن مخصصة. تعتبر إعادة الحقن أمراً بالغ الأهمية لكل من حماية البيئة (منع التخلص السطحي من السوائل الغنية بالمعادن) واستدامة المكمن على المدى الطويل (تجديد السوائل والحفاظ على الضغط).
2.3 تحليل الأداء والإنتاج
يتم تحديد أداء محطة الطاقة من خلال المبادئ الديناميكية الحرارية وخصائص مورد الطاقة الحرارية الأرضية.
الكفاءة الديناميكية الحرارية: تخضع كفاءة تحويل الحرارة الحرارية الأرضية إلى كهرباء لقوانين الديناميكا الحرارية. يتم استخدام مقياسين رئيسيين:
كفاءة القانون الأول (الحرارية) (\eta_{th}): يقيس هذا نسبة الشغل الكهربائي الصافي المنتج إلى إجمالي الطاقة الحرارية المستخرجة من السائل الحراري الأرضي. \eta_{th} = \frac{\dot{W}_{net}}{\dot{Q}_{in}} = \frac{\dot{W}_{gross} - \dot{W}_{parasitic}}{\dot{m}_{geo} (h_{in} - h_{reinj})} حيث \dot{W}_{net} هو صافي إنتاج الطاقة، و \dot{Q}_{in} هو معدل إدخال الحرارة من السائل الحراري الأرضي، و \dot{m}_{geo} هو معدل تدفق كتلة السائل، و h يمثل المحتوى الحراري النوعي عند نقاط الدخول وإعادة الحقن. بالنسبة لمورد بدرجة حرارة 200 درجة مئوية، تتراوح هذه الكفاءة عادةً بين 12-16%.
كفاءة القانون الثاني (الإكسيرجي) (\eta_{ex}): هذا مقياس أكثر صرامة للأداء الديناميكي الحراري، حيث يقارن الشغل الفعلي المنتج بأقصى شغل ممكن (إكسيرجي) يمكن استخراجه من المورد بالنسبة للظروف المحيطة. \eta_{ex} = \frac{\dot{W}_{net}}{\dot{E}x_{in}} = \frac{\dot{W}_{net}}{\dot{m}_{geo}} حيث \dot{E}x_{in} هو معدل تدفق الإكسيرجي للسائل الحراري الأرضي الوارد، و T_0 هي درجة الحرارة المحيطة، و s هو الإنتروبي النوعي. تتراوح كفاءات الإكسيرجي لمحطات الطاقة الحرارية الأرضية الحديثة عادةً بين 40-50%.
صافي إنتاج الطاقة وعامل السعة: بناءً على توازن الحرارة والكتلة لمحطة بقدرة 50 ميجاوات صافية تعمل على مورد بدرجة حرارة 200 درجة مئوية، فإن الطاقة الإجمالية التي يولدها التوربين ستكون حوالي 55-58 ميجاوات. يتم استهلاك الفرق بواسطة الأحمال الطفيلية، والتي تشمل المضخات الكبيرة اللازمة لإعادة الحقن ونظام برج التبريد.
تتمثل إحدى المزايا الاستراتيجية الرئيسية للطاقة الحرارية الأرضية في موثوقيتها وتوافرها العاليين. على عكس مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، توفر محطات الطاقة الحرارية الأرضية طاقة الحمل الأساسي على مدار 24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع، بغض النظر عن الظروف الجوية. إن متوسط عامل السعة العالمي لمحطات الطاقة الحرارية الأرضية مرتفع باستمرار، ويتراوح عادة بين 85% و 95%. في هذه الدراسة، يُفترض عامل سعة متحفظ بنسبة 90% للنمذجة المالية.
لا يمكن المبالغة في تقدير قيمة طاقة الحمل الأساسي هذه في شبكة هشة مثل شبكة اليمن. في حين أن التكلفة المستوية للطاقة (LCOE) توفر مقارنة تكلفة مفيدة، إلا أنها لا تعكس القيمة الهائلة لاستقرار الشبكة وموثوقيتها التي توفرها محطة الطاقة الحرارية الأرضية. إن حقن 50 ميجاوات من الطاقة بشكل ثابت ويمكن التنبؤ به يقوي الشبكة بأكملها، ويقلل من الحاجة إلى توليد وتخزين احتياطيين مكلفين، ويحسن جودة الخدمة لجميع المستهلكين. تُعد قيمة "خدمات الشبكة" هذه فائدة مشتركة حاسمة وغير مسعرة تجعل الطاقة الحرارية الأرضية مناسبة بشكل فريد لاحتياجات استعادة الطاقة في اليمن ويجب أن تكون اعتباراً مركزياً في مفاوضات التعريفة.
الجدول 2.1: مقاييس الأداء المتوقعة للمحطة التجريبية بقدرة 50 ميجاوات
2.4 التكامل مع الشبكة والبنية التحتية المساعدة
يتطلب التنفيذ الناجح ليس فقط محطة الطاقة نفسها ولكن أيضاً البنية التحتية الداعمة لتوصيل الطاقة إلى المستهلكين.
الربط بالشبكة: يقع موقع اللسي-إسبيل في منطقة قريبة إلى حد ما من العمود الفقري لشبكة النقل الرئيسية في اليمن. ومع ذلك، سيلزم إنشاء خط نقل جديد مخصص عالي الجهد، يقدر طوله بـ 20-30 كم، لربط المحطة الفرعية للمحطة بأقرب نقطة ربط شبكي قابلة للتطبيق. يجب إدراج تكلفة هذا الخط وترقيات المحطة الفرعية المرتبطة به في النفقات الرأسمالية للمشروع. ستكون دراسة استقرار الشبكة جزءاً ضرورياً من مرحلة التصميم التفصيلي لضمان قدرة الشبكة الوطنية على استيعاب 50 ميجاوات الجديدة من سعة الحمل الأساسي بأمان وموثوقية.
البنية التحتية المساعدة: يتطلب تطوير موقع جديد في منطقة نائية دعماً لوجستياً كبيراً. يجب أن تأخذ ميزانية المشروع في الاعتبار بناء أو ترقية طرق الوصول القادرة على التعامل مع منصات الحفر الثقيلة ومكونات محطة الطاقة. يجب أيضاً تطوير مصدر مياه موثوق به لتوفير الكميات الكبيرة من المياه اللازمة لحملة الحفر وللملء الأولي وتعويض نظام برج التبريد. يمكن أن تكون التكاليف المرتبطة بهذه الأعمال المساعدة كبيرة، خاصة في الشرق الأوسط، ويجب تقديرها بعناية ودمجها في خطة المشروع الشاملة.
3.0 خطة تنفيذ المشروع
يُعد الجدول الزمني للتنفيذ الموثوق والمخطط له بدقة أمراً أساسياً لتأمين التمويل وضمان نجاح المشروع. إن تطوير مشروع للطاقة الحرارية الأرضية هو مسعى طويل الأجل، يمتد عادةً من 5 إلى 8 سنوات من الجدوى الأولية إلى التشغيل التجاري. تتبع الخطة المقترحة للمشروع التجريبي اليمني نهجاً منطقياً ومرحلياً يتوافق مع أفضل الممارسات الدولية، وهو مصمم لإدارة المخاطر من خلال تسلسل الاستثمار وفقاً لبوابات قرار رئيسية.
3.1 الجدول الزمني للتطوير المرحلي
ينقسم الجدول الزمني للمشروع إلى أربع مراحل متميزة، كما هو موضح في مخطط جانت في الشكل 3.1. يصور هذا الجدول تسلسل الأنشطة ومددها وتبعيات المسار الحرج التي تدفع الجدول الزمني العام للمشروع.
المرحلة الأولى: ما قبل التطوير والتمويل (السنوات 1-2) تركز هذه المرحلة الأولية على تهيئة البيئة التمكينية وتأمين رأس المال عالي المخاطر للاستكشاف.
الإطار المؤسسي والقانوني: تنشئ الحكومة اليمنية وحدة وطنية لتطوير الطاقة الحرارية الأرضية وتصوغ قانوناً لموارد الطاقة الحرارية الأرضية.
تمويل الاستكشاف: يتم تقديم طلب رسمي إلى بنوك التنمية متعددة الأطراف وصناديق المناخ للحصول على حزمة قروض/منح ميسرة لتمويل برنامج الحفر الاستكشافي.
مسوحات الموقع التفصيلية: يتم إجراء مسوحات جيوفيزيائية نهائية عالية الدقة (مثل Magnetotellurics - MT) فوق أهداف الحفر في اللسي-إسبيل لتحسين مواقع الآبار.
تقييم الأثر البيئي والاجتماعي والترخيص: يتم إكمال تقييم كامل للأثر البيئي والاجتماعي (ESIA)، ويتم تأمين جميع التصاريح اللازمة للحفر.
المشتريات: يتم طرح مناقصات لخدمات الحفر واستشاريي الإشراف.
المرحلة الثانية: الحفر الاستكشافي والتقييمي (السنوات 2-4) هذه هي مرحلة تخفيف المخاطر الأكثر أهمية، حيث يتم تأكيد وجود وخصائص المكمن.
حملة الحفر: يتم حفر ثلاثة إلى أربعة آبار استكشافية وتقييمية كاملة الحجم إلى العمق المستهدف البالغ ~1.5 كم.
اختبار الآبار: يتم إجراء اختبارات شاملة للآبار لقياس درجة الحرارة والضغط ومعدلات التدفق وكيمياء السوائل.
نمذجة المكمن: تُستخدم البيانات من الحفر والاختبار لتطوير نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد للمكمن، مما يؤكد قدرته على الحفاظ على محطة بقدرة 50 ميجاوات.
تمويل البناء: مع "إثبات" المورد الآن، يتم تقليل مخاطر المشروع. يقوم راعي المشروع بجمع الديون التجارية والأسهم لمرحلة البناء الرئيسية.
المرحلة الثالثة: تطوير الحقل وبناء المحطة (السنوات 4-6) تتضمن هذه المرحلة الجزء الأكبر من الاستثمار الرأسمالي.
الحفر الإنتاجي: يتم حفر المجموعة الكاملة من آبار الإنتاج وإعادة الحقن بناءً على نموذج المكمن.
المرافق السطحية: يتم بناء نظام تجميع البخار والفواصل وخطوط الأنابيب.
بناء محطة الطاقة: يقوم مقاول EPC ببناء محطة الطاقة والمحطة الفرعية وجميع المرافق المرتبطة بها.
الربط بالشبكة: يتم بناء خط النقل عالي الجهد وربطه بالشبكة الوطنية.
المرحلة الرابعة: التشغيل والتشغيل التجاري (السنة 7 وما بعدها)
التشغيل: يتم اختبار وتشغيل جميع الأنظمة (الآبار، خطوط الأنابيب، المحطة).
تاريخ التشغيل التجاري (COD): تبدأ المحطة في تزويد الشبكة بالكهرباء بموجب شروط اتفاقية شراء الطاقة.
التشغيل والصيانة: يتم تنفيذ برنامج طويل الأجل للتشغيل والصيانة، بما في ذلك المراقبة المستمرة للمكمن.
الشكل 3.1: مخطط جانت لتطوير المشروع التجريبي للطاقة الحرارية الأرضية بقدرة 50 ميجاوات
يوضح مخطط جانت هذا الجدول الزمني المرحلي للمشروع التجريبي بقدرة 50 ميجاوات، ويسلط الضوء على الأنشطة الرئيسية والمدد والمعالم الرئيسية. يمر المسار الحرج من خلال الإكمال الناجح للحفر الاستكشافي قبل أن يبدأ البناء على نطاق واسع.
3.2 برنامج الاستكشاف والحفر وتطوير حقل الآبار
يُعد برنامج الحفر هو الجوهر الفني والمالي للمراحل المبكرة من المشروع، حيث يمثل أكبر مكون تكلفة منفرد وأعلى مجال للمخاطر. تم تصميم الاستراتيجية لزيادة احتمالية النجاح مع إدارة التكاليف. ستتضمن مرحلة الاستكشاف الأولية حفر ثلاثة آبار عميقة إلى عمق مستهدف يبلغ حوالي 1.5 كم. هذا ليس برنامج "ثقب نحيف" بسيط، بل حملة آبار كاملة القطر يمكن، في حالة نجاحها، تحويلها إلى أول آبار إنتاج وحقن لمحطة الطاقة. يوفر هذا النهج بيانات نهائية عن إنتاجية المكمن ويقلل من وقت تطوير الحقل الإجمالي.
إن الإنجاز الناجح لهذه المرحلة هو أهم معلم في المشروع. إنه يحول بشكل أساسي ملف مخاطر المشروع، وينقله من مشروع استكشاف عالي المخاطر إلى مشروع بنية تحتية منخفض المخاطر مع إمداد "وقود" مثبت. هذا التحول هو ما يفتح التمويل التجاري. هذا الترابط بين "الحفر والتمويل" هو عنق زجاجة معروف في تطوير الطاقة الحرارية الأرضية. عادة ما يكون رأس المال الخاص غير راغب في تمويل مخاطر الاستكشاف. لذلك، فإن المسار الوحيد القابل للتطبيق للتنفيذ هو هيكل مالي متشعب حيث يتم التعامل مع الحفر الاستكشافي الأولي كمشروع منفصل لتخفيف المخاطر مدعوم من القطاع العام. يخلق نجاحه الأصل القابل للتمويل - حقل بخار مثبت - والذي يمكن بعد ذلك طرحه في مناقصة للقطاع الخاص أو تطويره عبر شراكة بين القطاعين العام والخاص لبناء محطة الطاقة الرئيسية. هذا الفصل الاستراتيجي للتمويل للمراحل عالية المخاطر ومنخفضة المخاطر هو حجر الزاوية في التطوير الناجح للطاقة الحرارية الأرضية في الأسواق الناشئة وهو النموذج الصريح الذي تروج له الخطة العالمية لتطوير الطاقة الحرارية الأرضية التابعة للبنك الدولي.
3.3 بناء المحطة وتشغيلها
لضمان اليقين في التكلفة والجدول الزمني لمحطة الطاقة والمرافق السطحية، يوصى بنموذج عقد الهندسة والمشتريات والبناء (EPC). بموجب عقد EPC "تسليم المفتاح"، يتولى مقاول واحد أو كونسورتيوم مسؤولية التصميم التفصيلي وشراء جميع المعدات وبناء المنشأة بسعر ثابت وبحلول تاريخ إنجاز محدد. ينقل هذا النموذج جزءاً كبيراً من مخاطر البناء والأداء من مالك المشروع إلى المقاول، وهي ميزة تحظى بتقدير كبير من قبل المقرضين وهي ضرورية لتأمين تمويل المشروع. سيتم إجراء عملية التشغيل بشكل مشترك من قبل مقاول EPC وفريق التشغيل والصيانة للمالك لضمان تسليم سلس وتسهيل نقل المعرفة.
3.4 استراتيجية التشغيل والصيانة طويلة الأجل
تُعد استراتيجية التشغيل والصيانة المستدامة أمراً بالغ الأهمية لضمان تشغيل المحطة بشكل موثوق وتحقيق عامل السعة المتوقع بنسبة 90% أو أكثر على مدى عمر تصميمي يبلغ 30 عاماً. ستشمل الاستراتيجية ما يلي:
تشغيل وصيانة المحطة: سيكون فريق دائم في الموقع من المهندسين والفنيين مسؤولاً عن التشغيل اليومي والصيانة الوقائية الروتينية لمعدات محطة الطاقة. سيتم توفير التدريب الأولي والمستمر من قبل مقاول EPC وخبراء الطاقة الحرارية الأرضية الدوليين.
إدارة حقل الآبار: هذه وظيفة متخصصة فريدة من نوعها للطاقة الحرارية الأرضية. وهي تنطوي على المراقبة المستمرة لضغط المكمن ودرجة الحرارة وكيمياء السوائل لتحسين الإنتاج وإدارة صحة المورد على المدى الطويل.
برنامج الآبار التعويضية: يمكن أن تشهد آبار الإنتاج الحراري الأرضي انخفاضاً طبيعياً في الإنتاج بمرور الوقت. يجب أن تتضمن ميزانية التشغيل والصيانة طويلة الأجل صندوقاً غاطساً لتمويل حفر آبار "تعويضية" كل 5-7 سنوات للحفاظ على إمدادات البخار المطلوبة للمحطة. هذه تكلفة رأسمالية متكررة يجب أخذها في الاعتبار في اقتصاديات دورة حياة المشروع.
4.0 الجدوى المالية والاقتصادية
يقدم هذا القسم تحليلاً مالياً مفصلاً للمشروع التجريبي المقترح للطاقة الحرارية الأرضية بقدرة 50 ميجاوات في اللسي-إسبيل. يستند التحليل إلى معايير التكلفة الدولية، وممارسات النمذجة المالية القياسية، والمعلمات الفنية المحددة في الأقسام السابقة. الهدف هو إثبات الجدوى التجارية للمشروع وفوائده الاقتصادية للجمهورية اليمنية.
4.1 تفصيل النفقات الرأسمالية (CAPEX)
تتسم مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية بكثافة رأس المال، حيث يتم تكبد غالبية التكاليف مقدماً قبل توليد أي إيرادات. تُقدر التكلفة الرأسمالية الإجمالية لليلة واحدة للمحطة التجريبية بقدرة 50 ميجاوات بـ 196 مليون دولار أمريكي، وهو ما يعادل تكلفة مركبة تبلغ 3,920 دولاراً أمريكياً لكل كيلوواط (kW). يتوافق هذا الرقم مع المتوسطات العالمية لمشاريع الطاقة الحرارية الأرضية من هذا الحجم ونوع التكنولوجيا، والتي تتراوح عادةً من 3,000 دولار إلى 6,000 دولار لكل كيلوواط. يتم توفير تفصيل مفصل لهذه التكلفة في الجدول 4.1. يمثل الحفر وتطوير حقل الآبار أكبر مكون منفرد، مما يؤكد أهمية استراتيجية تخفيف المخاطر لهذه المرحلة.
الجدول 4.1: تفصيل النفقات الرأسمالية المفصلة للمحطة التجريبية بقدرة 50 ميجاوات (بملايين الدولارات الأمريكية)
4.2 توقعات النفقات التشغيلية (OPEX)
تتمثل إحدى المزايا الرئيسية للطاقة الحرارية الأرضية في تكلفتها التشغيلية المنخفضة والتي يمكن التنبؤ بها، حيث لا يوجد وقود للشراء. تُقدر النفقات التشغيلية السنوية للمحطة بقدرة 50 ميجاوات بـ 10.2 مليون دولار أمريكي. يشمل هذا الرقم جميع التكاليف المرتبطة بتشغيل وصيانة المحطة وحقل الآبار.
التشغيل والصيانة الثابتة: يشمل ذلك رواتب الموظفين، والنفقات الإدارية العامة، والتأمين، والصيانة المجدولة لمعدات محطة الطاقة. يُقدر هذا المكون بحوالي 1.5% - 2.5% من النفقات الرأسمالية الأولية سنوياً.
تشغيل وصيانة حقل الآبار: يشمل ذلك تكاليف المراقبة الروتينية للآبار، وصيانة خطوط الأنابيب السطحية، وتخصيص حاسم لبرنامج طويل الأجل لإصلاح الآبار وحفر آبار تعويضية. يتم تضمين صندوق غاطس يعادل تكلفة حفر بئر جديد كل 5-7 سنوات لضمان استدامة إمدادات البخار لمدة 30 عاماً من عمر المحطة.
4.3 التكلفة المستوية للطاقة (LCOE)
تُعد التكلفة المستوية للطاقة (LCOE) مقياساً حاسماً لمقارنة القدرة التنافسية من حيث التكلفة لتقنيات توليد الطاقة المختلفة على مدى دورة حياتها بأكملها. وهي تمثل متوسط الإيرادات لكل وحدة كهرباء يتم توليدها والمطلوبة لاسترداد جميع التكاليف، بما في ذلك الاستثمار الأولي وتكلفة رأس المال. يتم حساب التكلفة المستوية للطاقة باستخدام الصيغة القياسية التالية : LCOE = \frac{\sum_{t=1}^{n} \frac{I_t + M_t}{(1+r)^t}}{\sum_{t=1}^{n} \frac{E_t}{(1+r)^t}} حيث:
I_t = نفقات الاستثمار في السنة t
M_t = نفقات التشغيل والصيانة في السنة t
E_t = توليد الكهرباء في السنة t (394.2 جيجاوات/ساعة سنوياً)
r = معدل الخصم (متوسط التكلفة المرجح لرأس المال - WACC)
n = العمر الاقتصادي للنظام (30 عاماً)
بناءً على تقديرات النفقات الرأسمالية والتشغيلية أعلاه، وعمر المحطة 30 عاماً، وعامل سعة 90%، ومعدل خصم حقيقي يتراوح بين 7-8%، فإن التكلفة المستوية للطاقة المحسوبة للمشروع هي 0.066 دولار أمريكي/كيلوواط/ساعة (6.6 سنت/كيلوواط/ساعة). يقع هذا الرقم مباشرة ضمن النطاق المستهدف البالغ 0.05-0.07 دولار أمريكي/كيلوواط/ساعة. هذه التكلفة تنافسية للغاية، خاصة عند مقارنتها باعتماد اليمن التاريخي على توليد الديزل، والذي ليس فقط أكثر تكلفة ولكنه يخضع أيضاً لصدمات أسعار شديدة ونقاط ضعف في سلسلة التوريد. كما أنها تنافسية مع المعايير العالمية الحديثة لمشاريع الطاقة المتجددة الجديدة، حيث أبلغت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) عن متوسط عالمي مرجح للتكلفة المستوية للطاقة الحرارية الأرضية يبلغ 0.060 دولار أمريكي/كيلوواط/ساعة في عام 2024.
4.4 النمذجة المالية والعوائد
تم تطوير نموذج تدفق نقدي مخصوم (DCF) لمدة 30 عاماً لتقييم ربحية المشروع من منظور المستثمر. يفترض النموذج هيكل تمويل مشروع نموذجي بنسبة 70% ديون و 30% أسهم. المقاييس المالية الرئيسية المستمدة من النموذج هي:
صافي القيمة الحالية (NPV): صافي القيمة الحالية للمشروع إيجابي بمعدلات خصم أقل من معدل العائد الداخلي، مما يشير إلى أنه من المتوقع أن يولد المشروع عوائد تزيد عن تكلفة رأس ماله وبالتالي يخلق قيمة اقتصادية.
معدل العائد الداخلي (IRR): معدل العائد الداخلي غير المدعوم بالقروض للمشروع حساس للغاية لتعرفة الكهرباء. لتحقيق معدل عائد داخلي على الأسهم في نطاق 20-25%، والذي يعتبر ضرورياً لجذب الاستثمار الخاص في بيئة عالية المخاطر مثل اليمن، يلزم وجود تعرفة اتفاقية شراء طاقة في نطاق 0.10-0.12 دولار أمريكي/كيلوواط/ساعة. في حين أن هذه التعريفة أعلى من التكلفة المستوية للطاقة، إلا أنها توفر علاوة المخاطر اللازمة للمستثمرين.
فترة الاسترداد: تُقدر فترة الاسترداد البسيطة للاستثمار الأولي بما بين 8 و 10 سنوات.
يكشف النموذج المالي عن تفاعل حاسم بين تعرفة اتفاقية شراء الطاقة المطلوبة، والمخاطر المتصورة للمشروع، والعائد المتوقع للمستثمر. في بلد عالي المخاطر، يطالب المستثمرون بمعدل عائد داخلي أعلى للتعويض عن تلك المخاطر. يستلزم هذا المعدل الأعلى المطلوب تعرفة اتفاقية شراء طاقة أعلى لجعل المشروع قابلاً للتطبيق مالياً. ومع ذلك، يمكن أن تكون التعريفة المرتفعة غير ميسورة التكلفة للمرفق الوطني. وهذا يخلق "مثلث التعريفة والمخاطر والعائد". إن الاستراتيجية الأكثر فعالية لحل هذه المشكلة ليست فرض تعرفة غير مستدامة على المرفق، بل العمل بنشاط على تقليل مخاطر المشروع. باستخدام أدوات بنوك التنمية متعددة الأطراف مثل القروض الميسرة للحفر والتأمين ضد المخاطر السياسية، يتم خفض ملف المخاطر العام للمشروع. وهذا بدوره يقلل من معدل العائد الداخلي المطلوب للمستثمر الخاص، مما يسمح بأن تصبح تعرفة اتفاقية شراء طاقة أكثر يسراً قابلة للتطبيق تجارياً. لذلك يجب أن تركز الاستراتيجية المالية على عملية تقليل المخاطر هذه كآلية أساسية لتحقيق هيكل مشروع مستدام وقابل للتمويل.
4.5 تحليل الحساسية
لاختبار مدى قوة التوقعات المالية، تم إجراء تحليل حساسية. يقيّم التحليل تأثير التغيرات في المتغيرات الرئيسية على معدل العائد الداخلي على حقوق الملكية للمشروع. تسلط النتائج، الملخصة في الجدول 4.2، الضوء على نقاط الضعف المالية الرئيسية للمشروع.
الجدول 4.2: تحليل حساسية معدل العائد الداخلي على حقوق الملكية (معدل العائد الداخلي للحالة الأساسية = 22%)
يُظهر التحليل بوضوح أن الجدوى المالية للمشروع هي الأكثر حساسية لـ تعرفة اتفاقية شراء الطاقة، تليها التكاليف الرأسمالية (خاصة تكاليف الحفر) و أداء المكمن على المدى الطويل (عامل السعة). وهذا يؤكد الأهمية الحاسمة لتأمين اتفاقية شراء طاقة طويلة الأجل ومستقرة وتنفيذ استراتيجيات قوية لتخفيف المخاطر لمراحل البناء والحفر. تؤكد الحساسية المنخفضة نسبياً للنفقات التشغيلية على الاستقرار المالي لمشاريع الطاقة الحرارية الأرضية بمجرد تشغيلها. يعد هذا التحليل أداة حاسمة لتركيز جهود العناية الواجبة وإدارة المخاطر على العوامل الأكثر أهمية لنجاح المشروع المالي.
5.0 إطار المخاطر والتخفيف منها
يُعد النهج المنهجي والشفاف لإدارة المخاطر ضرورياً للتطوير الناجح لأي مشروع بنية تحتية واسع النطاق، وهو أمر بالغ الأهمية في بيئة التشغيل المعقدة في اليمن. يحدد هذا القسم المخاطر الرئيسية التي تواجه مشروع الطاقة الحرارية الأرضية ويحدد إطاراً شاملاً لتدابير التخفيف المصممة لتقليل احتمالية حدوثها وتأثيرها، وبالتالي تعزيز قابلية المشروع للتمويل.
5.1 سجل المخاطر الشامل
تم تطوير مصفوفة مخاطر لتصنيف مخاطر المشروع وتحديد أولوياتها بناءً على احتمالية حدوثها وتأثيرها المحتمل على أهداف المشروع (التكلفة والجدول الزمني والأداء). توفر أداة إدارة المشاريع القياسية هذه نظرة عامة منظمة على مشهد المخاطر وتوجه تخصيص موارد التخفيف.
الجدول 5.1: مصفوفة مخاطر المشروع
5.2 تحليل المخاطر الجيوسياسية والأمنية
يمثل الوضع الأمني السائد في اليمن التحدي السياقي الأكثر أهمية للمشروع. إن الاعتراف بهذه الحقيقة هو الخطوة الأولى نحو إدارتها. من غير المرجح أن يكون النهج التقليدي الذي يقوده القطاع الخاص قابلاً للتطبيق بدون استراتيجية قوية لتخفيف المخاطر الأمنية.
تعيد الاستراتيجية المقترحة صياغة غرض المشروع. إن أزمة الطاقة هي المحرك الأساسي للأزمة الإنسانية ومساهم رئيسي في عدم الاستقرار في اليمن. لذلك، لا ينبغي النظر إلى مشروع الطاقة الحرارية الأرضية هذا على أنه مجرد مشروع تجاري معرض للمخاطر الأمنية، بل كمشروع استراتيجي لبناء السلام وإعادة الإعمار مصمم للتخفيف من عدم الاستقرار الذي يهدده. لهذه إعادة الصياغة آثار عميقة على تنفيذه وتمويله.
تدابير التخفيف:
التطوير المرحلي والمركز جغرافياً: سيبدأ البرنامج في منطقة اللسي-إسبيل (ذمار)، وهي منطقة تخضع حالياً لسلطة إدارية واحدة ومستقرة، مما يقلل من التعرض لخطوط المواجهة النشطة للنزاع.
الرعاية الدولية والحياد: يجب هيكلة المشروع بمشاركة وإشراف مباشر من هيئات دولية محايدة، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والبنك الدولي. يوفر هذا "درعاً سياسياً"، ويعزز التنسيق الأمني، ويضمن أن يُنظر إلى المشروع على أنه أصل تنموي محايد يركز على الجانب الإنساني بدلاً من كونه أصلاً حزبياً.
بناء رخصة اجتماعية للعمل: إن المشاركة العميقة والمستمرة مع المجتمعات المحلية والزعماء القبليين هي الشكل الأكثر فعالية للأمن. من خلال خلق فرص عمل محلية، وإنشاء صناديق منافع مجتمعية، وتطوير تطبيقات الاستخدام المباشر للزراعة، يصبح المشروع أصلاً محلياً قيماً لدى المجتمع نفسه حافز لحمايته.
تحول هذه إعادة الصياغة الاستراتيجية ملف مخاطر المشروع، مما يجعله مؤهلاً للتمويل من صناديق إعادة الإعمار بعد النزاع، ووكالات المعونة الإنمائية، وبرامج السلام والأمن الدولية، بالإضافة إلى تمويل قطاع الطاقة التقليدي. وهذا ينوع مصادر التمويل ويبني أساساً أكثر مرونة للمشروع.
5.3 تخفيف مخاطر الموارد الحرارية الأرضية
إن العقبة الفنية والمالية الرئيسية في المراحل المبكرة من أي مشروع للطاقة الحرارية الأرضية هي مخاطر الموارد - عدم اليقين من أن الحفر سيؤكد وجود حقل بخار قابل للاستغلال تجارياً. هذه المخاطر هي الرادع الرئيسي للاستثمار الخاص في استكشاف الطاقة الحرارية الأرضية الجديدة. تستند استراتيجية التخفيف لهذا المشروع إلى نماذج مجربة تم نشرها بنجاح في دول نامية أخرى.
تدابير التخفيف:
الاستكشاف الممول من القطاع العام: النموذج الموصى به هو أن تتولى الحكومة اليمنية زمام المبادرة في مرحلة الحفر الاستكشافي الأولية، مع توفير التمويل من خلال قروض ومنح ميسرة من بنوك التنمية متعددة الأطراف وصناديق المناخ. هذا النهج، الذي تدافع عنه الخطة العالمية لتطوير الطاقة الحرارية الأرضية (GGDP) التابعة للبنك الدولي، يستخدم رأس المال العام لاستيعاب المرحلة الأكثر خطورة من المشروع.
الحفر المشترك التكلفة: يتضمن نموذج بديل مشاركة الحكومة في تكلفة الآبار الاستكشافية القليلة الأولى مع مطور خاص، مما يقلل من التعرض المالي للمطور إذا لم تكن الآبار ناجحة.
المساعدة الفنية وأفضل الممارسات: يمكن زيادة احتمالية نجاح الحفر بشكل كبير من خلال تطبيق أحدث تقنيات الاستكشاف. سيستفيد المشروع من المساعدة الفنية من بنوك التنمية متعددة الأطراف والشراكة مع خبراء دوليين لضمان استخدام أفضل الأساليب الجيولوجية والجيوكيميائية والجيوفيزيائية المتاحة لتحديد مواقع الآبار الاستكشافية، وبالتالي زيادة فرص تأكيد وجود مورد قابل للاستغلال.
من خلال التنفيذ الناجح لخطة تخفيف المخاطر هذه، ستحول الحكومة احتمالاً جيولوجياً غير مؤكد إلى أصل مثبت ومنخفض المخاطر - حقل بخار قابل للتمويل وجاهز للتطوير التجاري.
6.0 الإطار الحوكمي والاجتماعي والبيئي
يُعد وجود هيكل حوكمة قوي والالتزام بأعلى المعايير البيئية والاجتماعية شرطين أساسيين لتأمين الدعم من المؤسسات المالية الدولية وضمان استدامة المشروع على المدى الطويل. يحدد هذا الإطار المكونات القانونية والتنظيمية والاجتماعية اللازمة للتطوير المسؤول للطاقة الحرارية الأرضية في اليمن.
6.1 الهيكل التنظيمي والمؤسسي المقترح
لا يتناول الإطار القانوني الحالي في اليمن الطاقة الحرارية الأرضية على وجه التحديد. إن إنشاء بيئة تنظيمية واضحة وشفافة وفعالة هو خطوة أولى حاسمة لجذب الاستثمار وإدارة الموارد بفعالية.
الوحدة الوطنية للطاقة الحرارية الأرضية: يوصى بإنشاء وحدة وطنية مخصصة لتطوير الطاقة الحرارية الأرضية داخل وزارة الطاقة والمعادن. ستعمل هذه الوحدة كمركز للخبرة الفنية و "نافذة واحدة" للمستثمرين، مما يبسط عملية إصدار التصاريح والتراخيص ويبني القدرات المحلية في إدارة موارد الطاقة الحرارية الأرضية.
قانون وتراخيص الطاقة الحرارية الأرضية: يجب سن قانون جديد لموارد الطاقة الحرارية الأرضية. يجب أن يحدد هذا القانون بوضوح موارد الطاقة الحرارية الأرضية كأصل مملوك للدولة وأن ينشئ عملية ترخيص متعددة المراحل يمكن التنبؤ بها تمنح المستثمرين حيازة آمنة على مناطق تطويرهم. يوضح الجدول 6.1 إطار الترخيص المقترح.
هيكل التعريفة واتفاقية شراء الطاقة (PPA): تُعد اتفاقية شراء الطاقة طويلة الأجل، بمدة نموذجية تتراوح بين 20 و 25 عاماً، حجر الزاوية في قابلية المشروع للتمويل، حيث توفر تدفق الإيرادات المضمون اللازم لتأمين التمويل. بالنسبة للمشاريع التجريبية الأولية، يوصى بـ تعرفة تغذية (FIT) تنظمها الحكومة لتوفير أقصى قدر من اليقين في الأسعار وتحفيز الاستثمار المبكر. يجب هيكلة التعريفة لتعكس القيمة العالية لطاقة الحمل الأساسي الحرارية الأرضية، ربما من خلال هيكل من جزأين يتضمن مدفوعات لكل من السعة المتاحة (كيلوواط) والطاقة المسلمة (كيلوواط/ساعة).
الجدول 6.1: إطار الترخيص المقترح للطاقة الحرارية الأرضية
6.2 تقييم الأثر البيئي والاجتماعي (ESIA)
سيتم تطوير المشروع بالامتثال الكامل للإطار البيئي والاجتماعي للبنك الدولي (ESF) ومعايير الأداء لمؤسسة التمويل الدولية (IFC)، والتي تعد المعيار العالمي للتطوير المسؤول للمشاريع. سيتم إجراء تقييم شامل للأثر البيئي والاجتماعي خلال مرحلة ما قبل التطوير لتحديد وتخطيط التخفيف من جميع الآثار المحتملة.
سيغطي نطاق تقييم الأثر البيئي والاجتماعي دورة حياة المشروع بأكملها، من الاستكشاف إلى إيقاف التشغيل، وسيعالج الآثار المحتملة الرئيسية بما في ذلك :
جودة الهواء: يحتوي البخار الحراري الأرضي على غازات طبيعية، في المقام الأول كبريتيد الهيدروجين (H2S). سيتم دمج نظام لخفض كبريتيد الهيدروجين في تصميم المحطة لتنقية هذه الغازات وضمان أن الانبعاثات أقل بكثير من معايير الصحة والسلامة الدولية.
الموارد المائية: سيتم تصميم المشروع كنظام حلقة مغلقة، مع إعادة حقن 100% من السائل الحراري الأرضي المنتج (البخار والمحلول الملحي) مرة أخرى في المكمن. هذه الممارسة قياسية لمحطات الطاقة الحرارية الأرضية الحديثة وتخدم غرضين: تمنع أي تلوث لموارد المياه السطحية أو الجوفية الضحلة، وتساعد على الحفاظ على ضغط المكمن وطول عمره.
الضوضاء: يمكن أن يولد الحفر واختبار الآبار ضوضاء كبيرة. ستشمل تدابير التخفيف استخدام كاتمات الصوت (الخمارات)، وجدولة الأنشطة الصاخبة خلال ساعات النهار، والحفاظ على منطقة عازلة من المناطق السكنية.
الزلازل المستحثة: يمكن أن تؤدي عملية حقن واستخراج السوائل، في بعض الحالات، إلى إحداث زلازل صغيرة. سيتم تركيب شبكة رصد زلزالي قبل بدء الأنشطة لإنشاء خط أساس ورصد أي استجابة زلزالية أثناء التشغيل، مما يسمح بالإدارة التكيفية لضغوط الحقن إذا لزم الأمر.
استخدام الأراضي والآثار الاجتماعية: سيشمل تقييم الأثر البيئي والاجتماعي تقييماً مفصلاً لملكية الأراضي واستخدامها، وسيتم تطوير خطة عمل لإعادة التوطين (RAP) إذا لزم الأمر أي حيازة للأراضي أو نزوح لسبل العيش، مما يضمن التعويض العادل واستعادة سبل العيش بما يتماشى مع معايير مؤسسة التمويل الدولية.
6.3 إشراك أصحاب المصلحة وخطة المنافع المجتمعية
إن تعزيز علاقات قوية قائمة على الثقة مع المجتمعات المحلية ليس فقط شرطاً لتمويل بنوك التنمية متعددة الأطراف، بل هو أيضاً مكون أساسي في استراتيجية تخفيف المخاطر والأمن للمشروع. سيتم تنفيذ خطة رسمية لإشراك أصحاب المصلحة (SEP) من المراحل الأولى للمشروع، مما يضمن عملية تواصل مستمرة وشفافة.
سيكون أحد العناصر الرئيسية لخطة إشراك أصحاب المصلحة هو التطوير المشترك لخطة منافع مجتمعية. ستضمن هذه الخطة أن المجتمعات المحلية التي تستضيف المشروع تحصل على فوائد مباشرة وملموسة وطويلة الأجل. توجد فرصة قوية لدمج الاستخدام "المتتالي" أو "المباشر" للحرارة المتبقية من المحلول الملحي المنفصل في محطة الطاقة، والذي يبلغ عادة حوالي 150 درجة مئوية. هذه الحرارة "المهدرة" هي مورد قيم في بلد قاحل يعاني من انعدام الأمن الغذائي مثل اليمن. يمكن استخدامها لدعم:
الزراعة: تدفئة الدفيئات الزراعية لتمديد مواسم النمو وتحسين غلة المحاصيل.
تربية الأحياء المائية: الحفاظ على درجات حرارة المياه المثلى لتربية الأسماك.
تصنيع الأغذية: توفير الحرارة لتجفيف المحاصيل والبسترة.
تحلية المياه: تشغيل وحدات تحلية حرارية صغيرة الحجم.
من خلال دمج مكون استخدام مباشر تديره المجتمع في تصميم المشروع، تتحول محطة الطاقة من مجرد مولد كهرباء إلى مركز تنمية محلي متكامل. وهذا يخلق ملكية محلية قوية و "رخصة اجتماعية للعمل"، وهو الشكل الأكثر فعالية للأمن والاستدامة على المدى الطويل في سياق دولة هشة.
7.0 التوصيات الاستراتيجية والخاتمة
7.1 توصيات قابلة للتنفيذ
تؤكد نتائج دراسة الجدوى هذه أن اليمن يمتلك مورداً عالمي المستوى للطاقة الحرارية الأرضية يمكن تطويره بطريقة سليمة فنياً ومجدية مالياً، شريطة اعتماد نهج استراتيجي ومرحلي. للانتقال من الجدوى إلى التنفيذ، يوصى باتخاذ الإجراءات الملموسة التالية:
للحكومة اليمنية:
إعلان الطاقة الحرارية الأرضية أولوية وطنية استراتيجية: يجب على أعلى المستويات الحكومية أن تؤيد رسمياً الطاقة الحرارية الأرضية كحجر زاوية في استراتيجية الطاقة الوطنية وخطة إعادة الإعمار بعد النزاع. هذا الدعم السياسي رفيع المستوى ضروري لمواءمة الوزارات وجذب الدعم الدولي.
إنشاء الوحدة الوطنية لتطوير الطاقة الحرارية الأرضية: إنشاء وحدة مخصصة ومجهزة فنياً على الفور داخل وزارة الطاقة والمعادن. ستكون هذه الوحدة هي البطل المؤسسي للطاقة الحرارية الأرضية، مكلفة بالإشراف على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية، وإدارة البيانات الفنية، وتسهيل عملية الترخيص والتصريح.
تأمين تمويل الاستكشاف: تخصيص رأس مال أولي من الميزانية الوطنية وتقديم طلب رسمي للحصول على تمويل ميسر (مزيج من المنح والقروض منخفضة الفائدة) من بنوك التنمية متعددة الأطراف وصناديق المناخ لتغطية التكلفة التقديرية البالغة 40 مليون دولار أمريكي لبرنامج الحفر الاستكشافي والتقييمي للمرحلة الثانية في اللسي-إسبيل.
سن الإطار القانوني للطاقة الحرارية الأرضية: إعطاء الأولوية لصياغة وإقرار قانون شامل لموارد الطاقة الحرارية الأرضية، بناءً على إطار أفضل الممارسات الموضح في هذا التقرير. سيخلق هذا اليقين التنظيمي المطلوب لجذب الاستثمار الخاص لمرحلة البناء.
للشركاء الدوليين (البنك الدولي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مرفق البيئة العالمي، إلخ):
هيكلة مرفق لتخفيف مخاطر الطاقة الحرارية الأرضية: العمل مع الحكومة اليمنية لإنشاء مرفق تمويل مخصص لتقليل مخاطر مرحلة الاستكشاف. يجب أن يتم تصميم هذا على غرار السوابق الناجحة مثل الخطة العالمية لتطوير الطاقة الحرارية الأرضية، مما يوفر رأس المال اللازم لإثبات المورد قبل السعي للحصول على استثمار خاص.
توفير مساعدة فنية مدمجة: نشر خبراء دوليين في مجال الطاقة الحرارية الأرضية للعمل جنباً إلى جنب مع الوحدة الوطنية الجديدة لتطوير الطاقة الحرارية الأرضية. هذه المساعدة حاسمة لبناء القدرات المحلية في تقييم الموارد، والإشراف على الحفر، وهندسة المكامن، وخدمات استشارات المعاملات.
دمج المشروع في أطر تحقيق الاستقرار: الاعتراف بالدور الاستراتيجي للمشروع في بناء السلام والتعافي الاقتصادي. إن دمج برنامج الطاقة الحرارية الأرضية في أطر الأمم المتحدة والبنك الدولي الأوسع نطاقاً بعد النزاع سيوفر الغطاء السياسي اللازم، والتنسيق الأمني، والوصول إلى مجمعات التمويل التي تركز على إعادة الإعمار.
7.2 عرض الاستثمار ومسار التمويل
يقدم تطوير موارد الطاقة الحرارية الأرضية في اليمن عرضاً استثمارياً مقنعاً يوفق بين أهداف الحكومة وشركاء التنمية والقطاع الخاص. المسار الموصى به هو شراكة مرحلية بين القطاعين العام والخاص (PPP) تخصص المخاطر للأطراف الأقدر على إدارتها:
المراحل الأولية (الاستكشاف والتقييم): سيقود القطاع العام هذه المرحلة عالية المخاطر. سيتم تمويلها من قبل الحكومة اليمنية بدعم كبير من القروض والمنح الميسرة من بنوك التنمية متعددة الأطراف. يتحمل القطاع العام مخاطر الموارد.
المراحل النهائية (البناء والتشغيل): بمجرد أن تؤكد مرحلة الاستكشاف بنجاح وجود حقل بخار قابل للتمويل، سيتم طرح المشروع في مناقصة للقطاع الخاص. سيتم اختيار منتج طاقة مستقل مؤهل (IPP) لتمويل وبناء وتشغيل محطة الطاقة بقدرة 50 ميجاوات. سيتم تمويل هذه المرحلة بهيكل تمويل مشروع نموذجي من الأسهم الخاصة والديون طويلة الأجل من مؤسسات تمويل التنمية (DFIs) والمقرضين التجاريين. يتحمل القطاع الخاص مخاطر البناء والتشغيل، والتي يتم دعمها باتفاقية شراء طاقة طويلة الأجل مع المرفق الحكومي وضمانات المخاطر السياسية من بنوك التنمية متعددة الأطراف مثل MIGA.
يستفيد هذا الهيكل من التمويل العام والإنمائي للتغلب على فشل السوق الأولي المرتبط بمخاطر الاستكشاف، وبالتالي إطلاق تدفقات أكبر بكثير من رأس المال الخاص لمرحلة البناء منخفضة المخاطر.
7.3 التقييم الختامي
تقف الجمهورية اليمنية عند منعطف حاسم. إن التقاء أزمة طاقة حادة، والاعتماد على الوقود المستورد، والتحديات العميقة لإعادة الإعمار بعد النزاع يتطلب حلولاً جريئة واستراتيجية. إن الطاقة الحرارية الأرضية ليست مجرد خيار واحد من بين العديد من الخيارات؛ إنها حل مناسب بشكل فريد يعالج بشكل مباشر التحديات الأساسية لليمن من خلال تقديم مسار نحو استقلال الطاقة، والمرونة الاقتصادية، والتنمية المستدامة.
لقد أثبتت هذه الدراسة أن إمكانات الطاقة الحرارية الأرضية في اليمن ليست تخمينية بل هي مورد مؤكد وعالمي المستوى. تستند الخطة الفنية لمحطة تجريبية بقدرة 50 ميجاوات في اللسي-إسبيل إلى تكنولوجيا ناضجة وموثوقة. يؤكد التحليل المالي أنه، مع وجود إطار مناسب لتخفيف المخاطر، فإن المشروع مجدٍ تجارياً ويمكنه توفير الكهرباء بتكلفة تنافسية، وأكثر استقراراً من بدائل الوقود الأحفوري.
إن التحديات، لا سيما تلك المتعلقة بالأمن والحوكمة، هائلة ولكنها ليست مستحيلة. يوفر النهج المرحلي المدعوم دولياً والذي يؤطر تطوير الطاقة الحرارية الأرضية كركيزة استراتيجية لإعادة الإعمار الوطني مساراً ذا مصداقية لإدارة هذه المخاطر. من خلال الاستفادة من الموارد المالية والفنية للمجتمع الدولي للتغلب على العقبة الأولية المتمثلة في الحفر الاستكشافي، يمكن لليمن إطلاق العنان لثروته الجوفية الهائلة.
إن الأدلة المقدمة في هذا التقرير تستدعي اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة. إن المكافأة طويلة الأجل - إمداد آمن من طاقة الحمل الأساسي النظيفة ومنخفضة التكلفة والمحلية - هي مكافأة تحويلية. إنها الأساس الذي يمكن بناء اقتصاد يمني حديث ومرن ومزدهر عليه. لقد حان الوقت لتسخير الحرارة الكامنة تحت الأرض.
Comments
Post a Comment